الطبيعة

الطبيعة


يقطن غالبية السويديّون في المناطق الحضريّة التي تقع في النصف الجنوبي من البلاد، حيث يُمكن الاستمتاع بالحياة الثقافيّة النابضة، معايشة آخر صيحات الموضة واتّجاهاتها، والتقدّم مع نبض المدينة نحو المستقبل على وتيرة lagom – أي بالقَدْر الكافي. ومع ذلك، إذا طلبت من أحد السويديّين أن يصوّر لك بيئته، فقد تتعجّب حين يصف لك المشاهد الطبيعيّة الخلابة والغابات العميقة أو جزر الأرخبيل الهادئة.
يَكمن السبب، بكل بساطة، في أننا ترعرعنا على تقدير المشاهد الطبيعيّة الهائلة التي تحيط بنا، على قاب قوسيْن أو أدنى من أماكن عَيشنا، حتى لو كنّا نعيش في منطقة حضريّة كالعاصمة ستوكهولم. هناك شيء ما يربط بين السويديّين وحبّهم للطبيعة التي يقصدونها لممارسة الرياضة والاستمتاع بالهواء النقي أو لاستكشاف المناطق الريفيّة.
لأنّ الطبيعة المذهلة والمترامية الأطراف في كثير من الأحيان تحيط بالبلاد من كلّ صوب، فمن الطبيعي جداً أن تجد السويد في طليعة الباحثين عن الحلول البيئية المستدامة. يصرّ السويديّون على أن تستمتع  الأجيال القادمة بالرفاهية نفسها التي يستمتعون بها اليوم، أي روعة البرّية ونقاء الهواء والمياه.


هل تعلم أن مساحة السويد 450,294 كلم مربع، وهي ثالث أكبر دولة في اوروبا الغربية بعد فرنسا وإسبانيا. و53٪ من مساحتها غابات.

الجغرافيا

بفعل كونها موطناً لإحدى آخر وأكبر المناطق البريّة المتبقّية في أوروبا، تشهد السويد تغيّيرات جذريّة في المشهد الطبيعي بالرغم من اقتصار ذلك على مساحة صغيرة نسبيّاً. يُمكن للمرء أن يرى أن الثابتة الوحيدة هي الأساس الجغرافي حيث تقع السويد في جزء مستقرّ جيولوجيّاً من كتلة اليابسة الأرو أسيوية.
تطغى الغابات الصنوبريّة على معظم مساحات مشاهدنا الطبيعيّة، كما تأتي الأشجار ذات الأوراق المتساقطة لتستكمل في الكثير من الأحيان رسم هذا المشهد العام. تساهم تلك الغابات في زيادة جمال الخريف عندما تضيف الأوراق المتساقطة زخماً من الألوان والحياة قبل حلول فصل الشتاء القاحل. تُعتبَر مقاطعة سكونة (Skåne) الجنوبيّة موطناً للأراضي الزراعيّة الأكثر خصوبةً في السويد. أمّا إذا انتقلنا قليلاً نحو الشمال، نصل إلى منطقة المرتفعات الشجرية في سمولاند Småland التي تحيط بها مساحات ريفيّة متنوّعة من الحقول والبحيْرات.


تتمتع السويد بثمانية مناطق مناخية وأربعة فصول. وهنالك تفاوت كبير في درجات الحرارة بين الشمال والجنوب. فمعدل الحرارة في ستوكهولم هو نحو 18 درجة مئوية في الصيف وناقص درجة مئوية واحدة في الشتاء. أما في الشمال، فالشمس لا تغيب ابدا في الصيف وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) ليس هنالك ساعات نهار مطلقا. تصوير.

تذخر جُزر أولاند Öland وجوتلاند Gotland، الواقعة قبالة ساحل بحر البلطيق، ببعض من أقدم المواقع التاريخيّة في البلاد وأكثرها إبهاراً. كما تتّخذ نباتات السَحْلَبيّة والنباتات الغريبة الأخرى من تلك الجُزر موطناً لها بفضل وجود مساحة من صخور الجير الغنيّة والمناخ الملائم. تُعتبَر تلك الجزر من مواقع الاصطياف المفضّلة، خصوصاً لدى السويديّين. لن ننسى طبعاً المواقع السياحيّة الجذّابة الأخرى كالأرخبيلات المختلفة. يتنافس سكان السواحل الغربيّة والشرقيّة على إظهار جمال أرخبيلات مناطقهم، علماً أن كلّ من هذين الموقعَيْن ينفرد بسحر استثنائي خاص به.
عندما نغوص قليلاً داخل المناطق الشماليّة نصل إلى مقاطعة بيريسلاجين Bergslagen، حيث المخزون القديم والوافر من الحديد والخامات الأخرى الذي يعود له الفضل في نهضة أقدم المناطق الصناعيّة في السويد. لا تبعد هذه المنطقة كثيراً عن ستوكهولم وهي تضمّ مدينة تنشر جمالها المذهل على كافة جزرها الأربعة عشر في بحيرة ميلارين (Mälaren). في العام 2007، أثارت المدينة الجدل عندما ادّعت أنّها عاصمة الدول الاسكندنافيّة، ممّا جعل أحد مدوّني جوتنبرج يعلّق قائلاً: “عظيم! سندّعي إذاً أنّ مدينتنا هي عاصمة السويد!”
في الشمال الغربي من البلاد، ترتفع قِمم سلسلة الجبال الاسكندنافية في اتّجاه الشمال والجنوب وكأنّها كائن حفري ضخم يفصل بين السويد والنرويج. يتراوح ارتفاع تلك القمم بين 3000 – 7000 قدم / 1000 – 2000 متر فوق مستوى سطح البحر. هذه فكرة أوّليّة عن ما يُمكن توقّعه من ارتفاعات شاهقة في المناطق الشماليّة.
بعد اجتيازنا لسلسلة الجبال الاسكندنافية تلك، نصل في نهاية المطاف إلى منطقة لابلاند (Sápmi)، موطن للقليل مما تبقى من سكّان أوروبا الأصليّين، أي اللابيين. إنّها منطقة تتميّز بمساحتها الشاسعة والمذهلة وبطبيعتها البريّة الأصيلة الهادئة الحزينة والمقفرة في آن واحد. لقد ساهمت التغيّرات المناخيّة السريعة ووعورة التضاريس في جعل زيارة تلك المناطق الجبليّة تحدّياً حقيقيّاً. إذ ليس من الحكمة الخروج عن المسالك المعتادة في أماكن مثل حديقة ساريك (Sarek) الوطنيّة إن لم يكن للمرء خبرة حقيقيّة في رياضة المشي في المناطق النائيّة. أمّا أولئك الذين لديهم تلك التجربة، فمن المؤكّد أنّهم سيختبروا متعةً هي أبعد ما تكون عن العاديّة.

44 بالمائة من الرجال و 52 بالمائة من النساء يمارسون التمارين الرياضية مرتين في الاسبوع. وأكثر أوقات التسلية تُصرف في المشي، العدو، التمارين، وركوب الدراجات الهوائية.
تنبع أكبر الأنهار السويديّة من قَعر الجبال وتجتاز في طريقها إلى بحر البلطيق، مزيجاً من السهول والمروج وغابات الصنوبر والبتولا والمستنقعات القطبيّة؛ باختصار، تمرّ تلك الأنهار عبر العظمة الشعريّة التي تمتاز بها طبيعة القطب الشمالي إلى أن تصل الى الساحل المُفعم بالجُزر الكبيرة والصغيرة.

الحيوانات والنباتات

بفضل الجهود الخاصّة والمتواصلة الرامية لحماية الحيوانات النادرة والمهدّدة بالانقراض، حظيَت الطيور والحيوانات الجارحة على فرصة أخرى للحياة بعد مَضيّ عقود من الصَيد المُستباح. أصبح بالإمكان اللجوء إلى وكالة حماية البيئة السويديّة لتأمين الحماية لأيٍّ من أصناف النباتات أو الحيوانات المهدّدة بالانقراض والتي يُمكن أيضاً أن تجد ملاذاً لها ضمن المنتزهات الوطنيّة والمحميّات الطبيعيّة.
لا يُمكن التعريف بـ “الموظ” وكأنّه فقط حيوان نبيل يعيش داخل معظم الغابات في السويد، بل إنّه أيضاً شكلاً مألوفاً يعتلي الهدايا التذكاريّة الشائعة خطراً على حركة المرور لعبةً شعبيّة وغذاءً لأكثر الحيوانات الجارحة شيوعاً بالسويد: الدب البني والشره والذئب والوشق. على الرغم من أنّ الحيوانات الأخرى التي تنتمي إلى ما يُمكن تسميته مجموعة الخمسة في السويد هي كلّها حيوانات مفترسة، يبقى الموظ هو الأكثر عدوانيّة تجاه الإنسان (أو يخاف منه على الأقل). عندما يتعلّق الأمر بنمط حياة الحيوانات المفترسة في البريّة، يبقى الذئب الأكثر إثارة للجدل – بغض النظر إن كنت تخشاه أم لا. وفي سنة 2010، صدر أوّل ترخيص لصَيد الذئاب منذ 45 سنة وقد فتح ذلك نقاشاً حادّاً في المجتمع.


الموظ أحد أنواع الأيائل، وهو أحد أكبر الأنواع الموجودة في عائلة الغزلان، تتميز قرون الذكور بشكل راحة اليد وبعض الأنواع تملك قرون ذات شكل شجري (غصون الأشجار).

في فصل الشتاء، لا يبقى في السويد إلاّ عدد قليل من أنواع  الطيور. لكن، مع حلول فصليّ الربيع والصيف، تعود مجموعات كبيرة من الطيور التي كانت قد هاجرت نحو المناخات الجنوبيّة لتنضمّ إلى تلك الطيور المقيمة. بفضل سواحلها الطويلة وبحيراتها العديدة، تتميّز السويد أيضاً بكونها موطناً لمجموعة متنوّعة وغنيّة من الحيوانات المائيّة، من الأسماك حتى الفقمة.
 تتميّز السويد أيضاً بنباتات متنوّعة للغاية، ابتداءاً من الهندباء إلى نباتات السَحْلَبيّة الغريبة، خاصّة في الجبال وفي جُزر أولاند Öland وجوتلاند Gotland، الواقعة قبالة ساحل بحر البلطيق. ولعلّه يُمكننا القول إن شهرة الطبيب وعالِم النبات كارل لينيوس الذي عايش القرن الثامن عشر تفوّقت على شهرة نباتات السويد إذ أنّه صُنّف واحداً من أهمّ الرواد السابقين لداروين وهو مَن ابتكر نظام التصنيف الأوّل للنباتات والمعروف بإسم SystemaNaturae.

حريّة الوصول إلى الطبيعة

إنّه من المؤسف حقاً ألاّ يستفيد السويديّون من عظمة المساحات الشاسعة المفتوحة التي تنعم بها بلدهم السويد. وهذا بالفعل ما يفعلونه غير مبالين بالأمطار أوالثلوج أوالرياح أو الشمس. وهم يدافعون عن قناعتهم هذه بالقول: “لا يوجد لدينا سوء في الأحوال الجويّة بل سوء في اختيار الملابس.” في المحصّلة، ما هي الطريقة الأفضل للتمتّع بالطبيعة غير الاستفادة الفعليّة من كل ذلك؟ وتبعاً لذوق كلّ واحد منّا، يتراوح التمتّع بالطبيعة بدءاً من اقتطاف الفطر إلى ممارسة رياضة تسلّق الجبال.

هل تعلم أن هناك مساحات كبيرة في السويد غير مأهولة، إذ أن عدد السكان في الكيلومتر المربع هو 23شخصا، أما في بقية مناطـق الاتحاد الأوروبي فالنســبة هي أكثر من 100 شخص في الكيلومتر المربع. وتعد بحيرة فينيرن هي أكبر بحيرة في السويد وتبلغ مساحتها 5.650 كلم مربع. 

علاوةً على ذلك، إن الحقّ الذي ينفرد به السويديّون والمتمثّل بالحريّة المتاحة لكافة الشعب بالوصول إلى الطبيعة (allemansrätten) هو جزء من التراث الثقافي بالسويد والذي تعود جذوره إلى العصور الوسطى. إنه يتيح للناس حقّ الاستمتاع بأيّ مكان في الطبيعة من دون دفع أيّ بدل أو رسم للدخول أو لعبور الأسوار، كما يحقّ لهم بأكل أيّ من المزروعات البريّة التي يصادفونها على طول الطريق. لن ننسى طبعاً أن هذا الحقّ يحتّم علينا مسؤوليّة ضخمة – الاعتناء بالطبيعة والحياة البريّة واحترام مالكي الأراضي وغيرهم. باختصار وبشكل أساسيّ، يمكننا الخروج والاستمتاع بكل ما هو حولنا شرط أن نبقى حريصين على عدم إزعاج الغير وعلى عدم التعرّض للطبيعة.


avatar
AUTOR: السويد بالعربية
نأمل أن تجد في الصفحة كل ما تبحث عنه وأن يدفعك لمعرفة المزيد عن السويد أينما كنت نحن نسعى جاهدين لجعل المحتوى متاحاً للجميع

0 Comments